بسم الله الرحمن الرحيم،
والصلاة والسلام على من بـُـعث رحمة للعالمين،
ورقة: الإطار المستقبلي
لمتابعة منتدى الديمقراطية و الوحدة
إخوتــَــنا الأعزاء،
ينعقد منتدى الديمقراطية و الوحدة هذه الأيام في إحدى أحلكِ الظروف
السياسية والاقتصادية والحقوقية التي مرت بها موريتانيا في تاريخها المعاصر.
إن حاجة البلاد اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى إرساء دولة القانون
والمؤسسات لا تحتاج إلى دليل، في ظل ما تشهده من انقسام وتشرذم، وفي ظل ما
يَـتـَـهَـدّدُها من تطاحنات عرقية وفئوية، ومن إقصاءٍ سياسي واحتكار اقتصادي
وجَـــوْرٍ قضائي، إضافة إلى كل ما تنذر به الأوضاع شبه الإقليمية من تهديدات
أمنية مختلفة و شر مستطير، نسأل الله تبارك و تعالى أن يجنب بلادنا ويلاتها و
تبعاتها، بفضله ومنـِّـه العظيم.
إخوتــَــنا الأعزاء،
لم تعد الديمقراطية، التي تجمعنا اليوم في هذا المنتدى القيّـم، مسألة
كمالياتٍ، بل أصبحت - بحكم التراكمات النضالية وتنامي المطالب- ضرورة ملحة وحاجة
لابد من تلبيتها بأفضل الوسائل وأكثرها سلاسة وأضـْـمَــنِها للتحول الجذري
والسلمي.
لم تعد الحاجة إلى الديمقراطية مسألةَ أحزاب أو حراكٍ شبابي أو بياناتٍ
سياسية فحسب، بل أصبحت طموحا شعبيا عريضا، تتسع خارطته يوما بعد يوم، بحيث تشمل،
وبوتيرة متصاعدة، أطيافَ المجتمع المدني والشخصيات المستقلة من كل الآفاق والمشارب.
وإن على منتدى الديمقراطية
والوحدة أن يكون منبرا للتفكير العميق والمستنير في طــُـرُق إرساء ضمانات
التنافس الشفاف، وفرض جو سياسي يسود فيه حيادُ أجهزة الدولة كواحد من أهم شروط المـُــنازلة
السياسية الجادة.
كما يجب أن يكون فرصة
لقراءة الحاضر واستقراء المستقبل والاستنباط من التاريخ السياسي للبلد بما يفيد في
رسم أسهل الطرق لإخراج موريتانيا من محنة لم تزل تتفاقمُ أمام تعنت القائمين على
الشأن العام ورفضِـهم الاستماع لنداء العقل قبل فوات الأوان.
لا نريد لمنتدى الديمقراطية والوحدة أن يكون مجرد ميدانٍ للتسلية السياسية.. و لا نريد لمنتدى الديمقراطية والوحدة أن يكون مجرد نجيلة للملاكمة الأيديولوجية.. لا نريد له أن يكون مجرد برنامج حواري لا يهدف إلا إلى الجدل.. بل، عكسا لذلك، نريده نمطا جديدا من النقاش الجاد بغية التوصل إلى كل ما من شأنه أن يساعد عَـمَــلِــيًا في بناء دولة القانون، كضمان أوحد للتنمية والازدهار والاستقرار.. نريده منبرا يقدم العلاج النهائي لمُـعَـوّقـات التماسك الاجتماعي والوحدة الوطنية والمساواة أمام القضاء وفي الفرص.. نريده منبرا يتمخضُ عن رؤيـةٍ سليمة لمستقبل شعب أتعبته الوعودُ البراقة، وقتلته الشعاراتُ الجوفاء، وأفسدته الخروقاتُ القانونية، ودمّـرته السلطاتُ الفردية.
لن يكون منتدى الديمقراطية والوحدة ذا شأن ما لم يتمكن من وضع تصور واضح
لتحوّل مجتمعي وسياسي واسع، نستطيع من خلاله بناء دولة قانون ومؤسسات، خالية من
السجون السرية، خالية من
ممارسة القهر السياسي والتعذيب، خالية من الكيل بمكيالين، خالية من الرشوة
والمحسوبية والقبلية، خالية من تبديد المال العام وأموال دافعي الضرائب.
إخوتنا الأعزاء،
إنكم تناقشون اليوم من أجل إيجاد إجماع حول أهم سُــبُــل الإصلاح
المفقود. وإن التضحية في سبيل ذلك بالمواقف الضيقة أمر في غاية الأهمية، إذ يترتب
عليه إخراج البلاد من المأزق.. هذه البلاد التي تفتقر إلى القضاء المستقل والإدارة
المستقلة والتسيير الرشيد والخطط التنموية الناضجة، والجهد الدبلوماسي الجبار..
هذه البلاد التي تحتاج إلى نخبة حاكمة تــُـنهي سياسات تجويع المنافسين وتركيع
الإعلاميين، وهدر الطاقات واستنزاف الخيرات.. هذه البلاد التي تعاني من تقليص جميع
السلطات في يد السلطة التنفيذية، والتي تــُـداس فيها كرامة المواطن وتــُـصادَرُ
حريته ويـُـضايق في رزقه.
وانطلاقا مما تقدم، فإن منتدى الديمقراطية والوحدة، الذي نقيمه اليوم بتضافر جهود مختلف الفاعلين، يُـعتبر آلية جامعة، قادرة على جعل ممثلي كل الأطياف والجهات والمشارب يجدون أنفسهم فيه، ويُـعَـبّرون من خلاله عن الحلول الأنجع لمستقبل آمن من الويلات والهزات.. مستقبل تسود فيه قوة القانون، وترتسم فيه معالمُ جديدة لعدالة منصفة، وتقوم فيه ركائز قويمة لأمن المواطن نفسيا وماديا.. مستقبل ينتهي فيه تأليه الفرد، ويـُـحترم فيه المالُ العام، وتــُـحِسُّ فيه كل الشرائح أن الثروة للجميع، والتعليم للجميع، والصحة للجميع، والقانون للجميع.
إخوتنا الأعزاء،
إن تجسيد ما تقدم من أهداف نبيلة وطموحات مشروعة، يستحقها الشعب
الموريتاني، سيجد فرصته السانحة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، التي يجب أن
تتضافر الجهود خلالها من أجل تغيير طبيعة الحكم الاستبدادي، وتغيير طبيعة التفكير
الأحادي، وتغيير المسلكيات المتناقضة مع مفهوم دولة القانون و المؤسسات، و قيـّـم
المواطنة.
وإن على الانتخابات الرئاسية المقبلة، انطلاقا من جهود ورؤى هذا المنتدى، أن تشكل بداية حقيقية لمرحلة جديدة من ممارسة الديمقراطية بأنصع صُـوّرِها النظيفة والملتزمة والمنصفة والعادلة. تلك الديمقراطية التي يصبو إليها المواطنُ الضعيفُ ليجد حقه، ويلجأ إليها المظلومُ ليجد من ينصفه، ويطمئن إليها رجلُ الأعمالِ لكي لا يـُـستهدف، ويستظل بها كل مواطن مهما كان لونــُــه أو عرقــُـه أو فـئـتــُـه أو جهتــُـه.
إخوتنا الأعزاء،
إننا بحاجة إلى منتدى غير تقليدي ينطلق في انسجام تام، وينتهي بنتائج على
قدر الطموحات وبحجم المسؤوليات التي ألقتها الظروف المرحلية على عواتقنا جميعا من
أجل انتشال البلاد من وَحَــل الأزمة الحالية.
ولكي لا تذهب جهودُكم سدىً، فأنتم مطالبون بالاتفاق على صيـّــغ تنظيمية
فعّـالة تضمن مواصلة التشاور وربط الصلات وتعزيز الروابط وتعميق التفكير، وذلك بتعيين
لجنةِ إشراف ومتابعة، أو لجنةِ تنسيق، أو مجموعةِ عمل مشترك، أو فريقِ تشاور..
ففي مثل هذه الظروف
الصعبة، وانطلاقا من حجم المسؤوليات التاريخية، فإن المواطن الموريتاني يفترض فيكم
الإخلاص للقضايا المصيرية، ويتطلع من خلالكم إلى غدٍ أفضل، إلى مستقبل ينعم فيه
بالعدالة، إلى عهد جديد تنقشع فيه ظلماتُ الجبروت والطغيان، إلى واقع آخرَ لا يَـمُــتُّ
بصلة إلى عهود السّيـْــبَــة والقمع والتجبر..
ومن هنا إلى غاية تحقيق ما نصبو إليه، أتمنى لأشغال منتداكم النجاح..
أشكركم و.. السلام عليكم و رحمة الله
أنواكشوط، 28 فبراير 2014
عن المجتمع المدني/ الأستاذ أحمد سالم ولد بوحبيني
عميد السلك الوطني للمحامين
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire